البحرين وجهتك
.
ينعكس التاريخ الغني لفترة دلمون المبكرة على أفضل وجه في ممارسات الدفن وتصنيف البناء في تلال المدافن الدلمونية المتأخرة. وتوضح المدافن التلّية التقاليد المتبعة في بناء المقابر على مدى ثلاثة قرون.
تم التمييز بين أنواع تلال المدافن المبكرة والمتأخرة لأول مرة من قبل كورنوال الذي أجرى أعمال التنقيب في أربعينيات القرن الماضي. حيث ذكر ذلك عبر وصفه " "المدافن المبكرة تليّة صغيرة الحجمة ومُدمجة "، بينما وصف المدافن المتأخرة بأنها "تتميز بحجمها الأكبر وهي مغطاة بالحصى "(كورنوال 1946، صفحة 10).
إحدى خصائص تلال المدافن المبكرة هي أن متوسط قطرها يبلغ حوالي 2.5 متر، ولايتجاوز ارتفاعها عادة 1.5 متر ، على الرغم من ظهور بعض التلال ذات الحجم الأكبر أحيانًا (لاورسن 2008، ص. 157). ويشير كورنوال (1946، ص 10) إلى أن التلال عادةً ما تخفي حجرة بسيطة ، ولكن تم تشييد بعض من تلك المدافن بالحجارة المكدسة عشوائيًا. ويختلف مخطط حُجرات الدفن، حيث عادةً ما تكون بيضاوية الشكل في التلال الصغيرة، في حين أن التلال الأكبر تظهر على شكل L- أو T- أو H ، أو في تتخذ شكلًا أكثر تعقيدًا في بعض الحالات (لاورسن 2008، ص 157- 158).
وفقا للاورسن (2008 ، ص 158-159) ، فقد تم حتى الآن تنقيب ما يقرب من 1000 من تلال المدافن من النوع المبكر.وتشير قطع الفخار التي تم اكتشافها (من ضمنها بعض القطع التي تعود لحضارة أم النار وأوعية تعود لحضارة بلاد ما بين النهرين)، وكذلك عدم وجود أختام ، إلى عودة هذه التلال إلى الفترة من 2200 إلى 2050 قبل الميلاد تقريبًا. وتقع تلال المدافن المبكرة بشكل أساسي على منحدراتٍ مكوّنة من الحجر الجيري في وسط البحرين، حيث تغطي مساحة واسعة على شكل هلال حول منطقة الرفاع. وهي تميل لكونها موزّعة بشكلٍ متناثر أكثر من كونها متجمعة، وتحكم توزيعها إلى حد كبير تضاريس المنطقة المنشقة نحو الوادي. يوجد أيضًا اتصال جغرافي بتلال المدافن المتأخرة. وكما أشار لاورسن (2008 ، ص 158) ، فإن التلال المبكرة تقع في المساحة الأقرب إلى الحوض المركزي للجزيرة، وهي عادة ما تكون في نقطة أعلى من التلال المتأخرة. وقد تم تسجيل حوالي 17000 من تلال المدافن المبكرة من قبل المشروع البحريني الدنماركي المشترك لرسم الخرائط (لاورسن 2008، ص 159) منها حوالي 1000 من تلال المدافن التي لاتزال باقية حتى اليوم.
تظهر تلال المدافن المتأخرة أكبر حجمًا، وهي ذات كثافة عالية. وتتميز بخاصية فريدة وهي هي الطبقة الهائلة من التربة التي تغطي حُجرات المدافن. يبلغ متوسط تلال المدافن حوالي 2 إلى 3 أمتار بقطرٍ يتراوح من 6 إلى 11 متر (لاورسن 2008، ص 159). ومع ذلك، هناك استثناءات لمدافن أصغر وأكبر حجمًا. تم تصنيف الفئة الأكبر من تلال المدافن المتأخرة لفئة إضافية مع الأخذ في الاعتبار خصائصها المعمارية المميزة (انظر لتلال مدافن الزعماء وتلال المدافن الملكية).
يتكون النوع المتأخر لتلال المدافن من حُجرات مبنية بشكل منتظم مع جدران تم بناؤها باستخدام تقنية الحجر الجاف وتغطيتها بألواحٍ من الحجارة (Højlund 2007، ص 29). يختلف شكل الحجرة حيث تتخذ الأشكال L أو T أو H- أو حتى شكلًا أكثر تعقيدًا (لاورسن 2008، ص 159). وعلى الرغم من الأشكال المختلفة داخل الجدار الدائري ، توجد حجرة واحدة فقط بها العديد من التجاويف التي تفتح في اتجاه الجنوب الغربي. ويمكن تقدير تاريخ تلك التلال استنادًا على أثاث القبور التي تم تنقيبها حيث تعو إلى فترة ما بين 2050 و 1750 قبل الميلاد. ويستند تحديد تاريخ التلال بشكلٍ أساسي على المقارن بين المواد من العاصمة الدلمونية قلعة البحرين، جزيرة فيلكا، ومعابد باربار (لاورسن 2008، ص 159).
وضعت المدافن التليّة بالقرب من بعضها البعض لتشكيل مقابر كثيفة تقع معظمها على طول الجانب الغربي من قبة الحجر الجيري في البحرين (لاورسن 2008، ص. 159). ويخمن رايس (1994، ص 198-199) أن تلال المدافن المتأخرة قد بنيت على أساسٍ صناعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المدفن التلّي موضوعٌ في "مواقع جنائزية" وليس في مناطق مبعثرة. وقد توصّل فريق رسم الخرائط المشترك والمكوّن من علماء آثار دنماركيين وبحرينيين لوجود 58000 من تلال المدافن المتأخرة (لاورسن 2008، ص 159)، منها حوالي 13500 لازال موجودًا حتى الآن.
ظهرت تلال مدافن الزعماء وتلال المدافن الملكية في الفترة ما بين 2050 و 1750 قبل الميلاد. لذا فهي معاصرة لتلال المدافن المتأخرة. وبالمقارنة مع الأخيرة ، فإن هذه التلال تعد أكبر من حيث الحجم (Højlund 2007 ، ص 26).
وعادة ما تتكون من حُجرات الدفن المكونة من طابقين، فضلا عن أربعة أو ستة تجاويف مع الجدران المغطاة بالجص. وعلى النقيض من التلال المتأخرة ، يمكن الوصول إلى القبر الملكي إما من خلال فتحةٍ رأسية أو ممر (Højlund 2007 ، ص 29). وبالإضافة إلى الجدار الدائري السفلي، فإنها تحوي جدارًا ثانيًا علويًا يمكن أن يشير إلى الوجود المسبق للطابق الثاني. ومع ذلك ، هناك أيضًا نماذج لتلال مدافن من طابقٍ واحد مع جدار علوي عازل يهدف بشكل أساسي إلى حماية بناء الفتحة الرأسية. وعلى الرغم من أن تلال مدافن الزعماء وتلال المدافن الملكية لهما الخصائص المعمارية ذاتها ، إلا أنه يمكن التمييز بنتهما من حيث الحجم. حيث يتراوح قطر تلال مدافن الزعماء من 13 إلى 26 متراً ، فيما يصل قطر تلال المدافن المدافن الملكية إلى 50 متراً بارتفاعٍ يصل حوالي إلى 12 متراً (Højlund 2007، ص 145). تشير الاختلافات في الأحجام والتعقيد بين تلال المدافن خلال النصف الثاني من مرحلة دلمون المبكرة ، إلى وجود مجتمع أكثر تنوعًا وتسلسلًا هرميًا. وبالتالي ، يشار إلى مجموعة من التلال الكبير باسم مدافن تلال الزعماء ، بينما تسمى مجموعة تلال المدافن الأكبر حجمًا تلال المدافن الملكية.
وعلى الرغم من استخدام هذه المصطلحات، إلا أنه لم يثبت في أيٍ من الأبحاث بشكلٍ واضح وجود سلالة ملكية فيما يتعلق بهذه المدافن. كما يمكن أن تكون تلال المدافن هذه "أضرحة عائلية" ، أو قبورًا جماعية لأفرادٍ تجمعهم روابط عشائرية" (رايس 1994، ص 178). في عام 1954 قام عالم الآثار الدنماركي جلوب بالتنقيب في تلال مدافن الزعماء في منطقة الجنبيّة، واستناداً إلى اما توصّل إليه من نتائج، فقد أشار إلى وجود دلال أثرية تفيد بأن حُجرات الدفن لم تغلق على الفور بعد بنائها ، بل تُركت مفتوحة ولم تُغطى إلا بعد الانتهاء من عملية الدفن (Højlund 2007 ، ص47).
هي نوع خاص من المدافن التليّة التي وُجدت طيلة مرحلة دلمون المبكرة. وتتميز تلال المدافن هذه بوجود مدفنٍ مركزي مع مدفنٍ واحد أو أكثر من المدافن الفرعية المتصلة به، وهي منتشرة في مختلف مناطق تلال المدافن في البحرين. ويعد حقل تلال مدافن الجنبيّة وحقل تلال مدافن مدينة حمد 2 من الأمثلة المناسبة لهذا النوع من المدافن. (لاورسن 2013، ص 127).
يُمكن الكشف عن هذه السمة الخاصة التي يتميز بها هذا النوع من التلال عبر أعمال التنقيب. ولكن في بعض الحالات النادرة ، وعندما يكون هناك عدد كبير من المدافن المُضافة، يمكن أن يقدّم شكل تلال المدافن بعضًا من التلميحات. فوفقًا لإبراهيم (1982 ، ص 12) فإن "توسعة تلال المدافن لم يكن بشكلٍ عفويٍ، وإنما تم تشييدها بهذه الطريقة بشكلٍ مُتعَمّد". ويضيف "إن هذا النوع من تلال المدافن يقع على مساحةٍ كبيرة بما يكفل توفير مجمّع دفنٍ كامل".
يمكن أن تكون تقنية البناء الخاصة بالمدفن المركزي مشابهة لتلال الدفن المبكرة أو المتأخرة ، أو تلال مدافن الزعماء. إذا كانت حُجرة الدفن على شكل حرف L أو T، فإنها محاطة بجدارٍ دائري مبني بارتفاعٍ أعلى في المواقع التي توجد فيها المدافن المُضافة. أما في حال وجود مدفنٍ لزعيم في المنطقة المركزية، يمكن الوصول إلى حُجرة الدفن عبر مدخلٍ رأسي (إبراهيم 1982، ص 18). وتكون حُجرات الدفن المضافة محاطة بجدارٍ شبه دائري يتصل عادةً إما بالمدفن المركزي أو بجدارٍ آخر شبه دائري. حُجرات الدفن المُضافة تكون بسيطة نوعًا ما، وخالية من التجاويف (إبراهيم 1982، ص 12-13 ؛ لوي 1986، ص 73).
إن سبب بناء مجموعات الدفن هذه غير مؤكد. ومع ذلك ، يمكن افتراض أن ثمة علاقة ما تربط الأفراد اللذين تم دفنهم فيها، وقد يكونون من عائلةٍ واحدة على الأرجح. وتشير الأحجام المختلفة إلى أن بعضها قد تم بناؤه لأطفال. (إبراهيم 1982، ص 12).